مضي عهد كان العيد فيه يأتي بالجديد المثير , بل أحيانا يجدد فينا الحزن ويذكرنا بأحباب لم يعودوا معنا علي ظهر هذه الفانية .. في بلاد الأغتراب والمهجر نحاول عبثا ان نخلق أجواء شبيهة بأجواء العيد في بلادنا ..
أخذت اجازة لنفسي من العمل ولأبنائي من المدارس , تمنيت ان اخرج لصلاة العيد بالجلابية والعمة .. للاسف تعذر ذلك لتدني درجة الحرارة الي ما دون الصفر .. اصطحبت ابنائي الي الجامع الوحيد في المدينة , لم اجد فيه شيئا من رائحة العيد في بلادي .. بدأت أكبر بصوت عالي علي أمل ان يقتدي بي الاخرون ولم يفعلوا فالتزمت الصمت .. كنت مثل الأطرش في الزفة والامام يعطي درسا باللغة الباكستانية قبل الصلاة .. لاختلاف المذاهب حتي عدد تكبيرات صلاة العيد مختلفة لدرجة اوجست ان تكون الصلاة من اساسها غير صحيحة ...
في طريق العودة للبيت سرحت مع احمد المصطفي في حالنا وحال السودان .. رغم فشل النخبة السياسية علي مدي نصف قرن من الزمان لازلنا نردد من الاعماق , نحن في السودان نهوي اوطانا .. وان رحلنا بعيد نطرا خلانا .. نطرا جلساتنا في ضفاف النيل .. نطرا نجوانا وحبنا العذري والوفاء معروف فينا من بدري ...
توجد فقط ثلاث اسر سودانية في هذه المدينة النائية , كان البرنامج ان تجتمع الاسر في منزل زميلنا د. عبوش ... النساء بذلن جهدا في عمل الشية والشعيرية والعصيدة , لكن الحق يقال لم يكن لها طعم الاكل في السودان , لا عيد في غياب الام والخالات والاخوات ...
شكرا لتكنلوجيا الاتصالات التي اتاحت لنا فرصة اللقاء بالاهل والاحباب في مشارق الارض ومغاربها , معذرة للاحباب في السعودية , وجدنا صعوبة في الاتصال بهم ...
سبقني الكثيرون برسائلهم , أولهم كعادته دائما مستشارنا العزيز .... رسائل كثيرة وصلتني واجبرتني رسالة اديبنا وفيلسوفنا ميسادي ان اقف عندها ( جنكيز خان , هولاكو , الزير سالم , هتلر , صلاح الدين الايوبي , محمد سعد الدين , نابليون بونابرت .. اسماء هزت التاريخ , واحد منهم حي ويبارك ليكم العيد ) .. شكرا ميسادي وربنا يحفظك لينا .
وأنا اراجع الاسماء المسجلة في الموبايل لغرض التهنئة جاء دور الغائب الحاضر ابراهيم معروف ... يا لهذه الدنيا .. من اين لي بشبكة اتصالات تغطي عالمه المجهول .. قررت ان لا أزيل اسمه ورقمه حتي لا انساه في الاعياد .. ان بخلت الدنيا علينا بالوقوف علي قبره لقراءة الفاتحة فلنترحم عليه من علي البعد , وعلي اخرين جمعتنا بهم يوما دروب الحياة ...
لن أيأس , سأظل اترقب عيدي الذي افتقدته عشرات السنين .. حتما سيأتي العيد في البلد اذا امد الله في الاجال .. نفرح مثل فرحتنا بجلابية البوبلين والدبلان .. وفرحتنا بالحلاوة والتي تظل طعمها في حلقنا من العيد الي العيد ...
العيد الحقيقي لن ياتي الا يوم ان احمل سعفا اخضر علي كتفي لغرسه فوق قبر ابي وعمي وحاجة صفية وكل اهلنا في ارودين ... أطوف بعدها علي جميع بيوتنا , والتي ستعود تنبض بالحياة من جديد باذن الله .
المفضلات